شخصية المولود البكر نشأة وبلوغا
تأليف : كيفين ليمان .
ترجمة : إياد حوراني .
قراءة : حواس محمود .
يعتبر هذا الكتاب من الكتب الاجتماعية النادرة والمتميزة والمهمة في آن ، إذ أنه يعالج فئة اجتماعية لها دور كبير سلباً أو إيجابياً في العائلة بعد الوالدين وخصوصاً في العائلة الشرقية ، إذ يتم الاعتماد بشكل رئيسي على الابن البكر بعد الأب أو في وجوده في كثير من الحالات ، ولا يخفى على أحد أن الدور الإيجابي أن تم لعبه فهو كبير ومؤثر على تطور العائلة وبخاصة في مساراتها الحياتية ، أما في الحالة النقيض أي الدور السلبي فإن التأثيرات خطيرة بل وذات أبعاد سلوكية وممارسية مؤثرة بشكل انحداري كبير على مسار التكوين والتماسك العائليين ، إذ عندما يفشل الابن الأكبر في ممارسة دوره الاجتماعي الإيجابي الذي يأخذ موقع القدوة للأشقاء الآخرين فإن النتيجة تكون سلبية وتهدد بتفكك العائلة وانقسامها وتشظيها بشكل كبير .
صفات شخصية المولد البكر :
يعتمد الجميع عليه لتنكب زمام جميع الأشغال ، يأخذ على عاتقه معظم أشغال مكتب عمله بما ينوف عن حصته المفترضة ، يخرجه عن طوره رؤيته الأشياء غير منجزة سريع في اكتشاف العيوب ، ويناكد كثيراً قرينه الزوجي ، ويشرف على تربية أطفاله ،ويبالغ في تعويل آمال غير منطقية على الآخرين ، لديه دائماً جدول أولويات ، ويؤثر إلى حد الولع إبقاء الأشياء منظمة وفي متناول يده..
هذه هي صفات المولود البكر- بحسب ليمان -
الفشل لا يعني نهاية العالم :
لعل قيمة الكتاب تكمن ليس في تناول المولود البكر بحد ذاته ، وإنما أيضاً تناول مسائل تنطبق ( ويمكن الاستفادة منها ) على الأبناء عموماً ، ومن هذه الجوانب التي يمكن أخذها كقيمة عامة للأبناء مهما كان موقعهم في الترتيب الأسري مسألة الفشل والنجاح ، يقول ليمان : إن فشلاً في مسألة أو مسألتين لا يعني نهاية العالم ، ولا يعني ضمناً أننا لا نمتلك الأهلية لأن نعزز الخطى باتجاه تحقيق أمور عظيمة فما كان سيحدث لو قيض لـ لويس باستور أن يقرر أنه ليس على قدر ذلك العمل العلمي لأنه لم يكن من المتفوقين في شعبة الكيمياء التي يدرس بها ، ثم آثر المضي في سيرة حياتية أخرى ؟ بل إن التصور الأكثر مأساوية هنا هو أن تصور ما كان سيحدث لو أن معلم بيتهوفن والذي كان يدعوه " مغفل لا أمل منه " نجح في إقناعه بعدم جدارته وأهليته وما سيؤدي اليه ذلك من عزوف هذا العبقري الموسيقي العظيم عن تأليف أي نوطة موسيقية وهل يمكن لأحد تقدير حجم الخسارة الرهيبة التي كانت ستحدث ؟ !!!
يتعرض كل كائن بشري أثناء سعيه لتحقيق هذا الهدف أو ذاك للوقوع في الإخفاق مهما كانت درجة الذكاء أو الموهبة أو الفأل الجيد التي يرفل بها المرء ، والأسلوب الوحيد لتجنب الوقوع في الإخفاق هو الجلوس في إحدى الزوايا وعدم إتيان أي أمر على الإطلاق ، وربما يصح اعتبار الفشل أفضل معلم في العالم ، لكن شرط أن تبذل قصارى جهدك للنظر إليه من زاوية موضوعية ومتوازنة ، فإن ترفع يديك مستسلماً على طريقة : لقد كنت أعرف أن ذلك سيحدث ! فهذا ما يحصل معي دائماً !"
ص 107.
كيف تنظر إلى نفسك ؟:
إن الصورة الذاتية عن النفس هي مشكلة لأي كائن خصوصاً بالنسبة للأبناء البكر لأنه يتعين عليهم على الدوام أن يكونوا الأفضل ، والبنت البكر التي تعرف أنها ليست بجاذبية أختها الأصغر منها ستبالغ بعيوبها الشخصية الخاصة بها ، بما ينقصها للوصول إلى الكمال ( والكمال لله جل وعلا ) والابن البكر الذي يعرف أن أخاه الأصغر أمهر منه في لعبة كرة القدم سيعتبر نفسه غير ماهر على الإطلاق ، وسيشبه نفسه بالمهرج في أفلام الأطفال الكوميدية !ص117
والدان نقادان في مواجهة الابن البكر :
يرى المؤلف أن هناك عدة أشكال للتحلي بصفة المبالغة في الانتقاد يسبب عبرها الآباء والأمهات الأذى لأولادهم .
ـ التأنيب الشفاهي الفج والعلني .
ـ المبالغة في توجيه النقد .
ـ عمل كل شيئ عوضاً عن الطفل .
ـ تقرير مصير الطفل عنه .
ص287 .
الابن البكر والعلاقات الصداقية :
يشير المؤلف إلى ناحية لا نعرف مدى واقعيتها وهي أن الذي يحدد طبيعة الأشخاص الذين ينتقيه المولود بكراً لإقامة علاقات صداقية معهم هو ميله " المولود البكر " عموماً للانفتاح أكثر على من هم أكبر منه سناً أو أصغر منه سناً ، ويعود ذلك لسبب أساسي وهو طبيعة العلاقة الخاصة التي تربط الابن البكر بوالديه ، ثم لا حقاً بأخوته الأصغر سناً ، فمن الأمور الواردة جداً إذن أن يرتبط المولود بكراً بعلاقات صداقية عديدة مع من هم أكبر منه سناً ومع من هم أصغر منه سناً ، في مقابل عدد محدود
جدا من العلاقات الصداقية مع من لهم العمر نفسه ، ويتراوح فارق السن بين المولود بكراً وأصدقائه بين عشرة وخمس عشرة سنة إلى سنتين أو ثلاثة . ص294 .
اختيار القرين الزوجي :
يبين المؤلف أن الأشخاص الذين يفشلون في حياتهم الزوجية ، ينتهون غالبا إلى هذا المصير لأنهم يحجمون عن اتخاذ خيارات صائبة فيما يخص حياتهم العاطفية
ويضيف بأنه خلال جلسات الاستشارات المتعلقة بأمور الزواج ، كان يسأل دائما الزوجين المتخاصمين عن مواقعهما في الترتيب الولادي وكان يصل إلى نتيجة مفادها أن أسوأ ما يمكن أن يقدم عليه شخص مولود بكرا ، هو الزواج من شخص آخر له الترتيب الولادي نفسه ، ويشير إلى أنه ليس بالضرورة أن يكون أي زوجين يعانيان مشاكل في حياتهما الزوجية أن يكونا مولودين بكرا ، لكن الغالبية العظمى منهم هم حقا كذلك
يتمتع الأبناء البكر بميل لأن يكونوا أقوياء الإرادة وذوي ثقة عالية بالنفس ، وكذلك لأن يكون لهم رؤى ووجهات نظر صارمة ، وما عليك إلا أن تضع شخصين من هذا الطراز ضمن رباط علاقة زوجية ، لتتاح لك غالبا ، فرصة اكتشاف ما يمكن ان يحدث في جملة متشابكة من مقاصد وأهداف لا يمكن الانزياح عنها ، ومدعمة بقوى لا تنضب ، أي بالتحديد وجود قدر كبير من الانفعال والجلبة والاضطراب ، ويصل المؤلف إلى قناعة راسخة مفادها أن تركيبا زوجيا يجمع بين أنثى مولودة أولا وذكر مولود أخيرا ، يتضمن إمكانية لأن يشكل أفضل وأنجح وحدة زوجية ، والارتباط الزوجي بين أنثى مولودة أولا وذكر مولود أخيرا ، يتضمن إمكانية لأن يشكل أفضل وأنجح وحدة زوجية ص 304
ختاماً :
يمكن القول بأن الموضوع الذي تناوله ليمان موضوع مهم ، وبعملية إسقاط لأفكاره على واقع المجتمعات في البلدان العربية والإسلامية يمكن الاستفادة من بعض النقاط والأفكار الواردة في كتابه هذا بحيث تتناسب والحالة الموجودة في هذه البلدان وبالمقابل فإن هناك العديد من النقاط والأفكار الواردة في هذا الكتاب لا يمكن أن تتوافق مع الواقع الراهن للمجتمعات العربية والإسلامية أو بالأحرى مع المولودين بكراً في الأسر التي تنتمي لهذه المجتمعات ، ويمكن إبداء ملاحظة نقدية حول الكتاب وهو لا يمكن أن تتطابق سمات المولود بكراً في أمريكا مثلاً مع سمات المولود البكر في الكويت وذلك لاختلاف الواقع الاجتماعي والوضعية التربوية والحالة المجتمعية العامة ، وعموماً فالكتاب فيه نقاط مهمة تستدعي التفكير والبحث والمناقشة .
الكتاب : شخصية المولود البكر ـ نشأة وبلوغاً .
المؤلف : كيفن ليمان ، المترجم : إياد حوراني .
الناشر : دار الكلمة ـ دمشق – سوريا
الصفحات : 328 قطع متوسط
المفضلات